صناعة السجاد في مصر

مما لا شك فيه أن صناعة السجاد في مصر لا تُعد مجرد حرفة، بل هي تراث فني عريق يمتد جذوره إلى آلاف السنين، شاهدًا على عبقرية وإبداع الصانع المصري، فمنذ العصور الفرعونية، مرورًا بالحقب الإسلامية المختلفة، ظلت هذه الصناعة تحتل مكانة بارزة، محافظة على أصالتها وفي الوقت ذاته متطورة لتواكب العصر، تشتهر مصر بأنواع عديدة من السجاد، يروي كل منها قصة ومنطقة، بداية من سجاد الكليم والصوف التقليدي المنسوج بأيدي سيدات صعيد مصر وشمالها، وصولاً إلى السجاد اليدوي والآلي الفاخر الذي يزين قصور وفنادق العالم، هذه الصناعة، ببعدها الاقتصادي والثقافي، تُمثل رافدًا مهمًا للاقتصاد الوطني ومصدر فخر للهوية المصرية، إنها رحلة عبر الزمن والألوان والنقوش، حيث تتحول خيوط بسيطة إلى لوحات فنية تدفئ البيوت وتحكي تاريخ أمة، فما هي الأسرار الكامنة وراء استمرار وتطور هذه الصناعة الحيوية في ظل التحديات المعاصرة، وما هي أبرز أنواعها وأماكن انتشارها؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في مقالنا.

مراحل صناعة السجاد في مصر 

مراحل صناعة السجاد في مصر 

تختلف مراحل صناعة السجاد في مصر قليلاً حسب ما إذا كان السجاد يدويًا (كالصوف والحرير والكليم) أو آليًا (مميكنًا)، ولكن المراحل الأساسية للنوع اليدوي العريق هي التي تمثل جوهر الحرفة في مصر.

إليك أبرز مراحل صناعة السجاد اليدوي في مصر:

أولاً: تجهيز المواد الخام (الصوف/الحرير/القطن)

صناعة السجاد في مصر، تُعد هذه المرحلة أساس كل شيء، وتشمل عدة خطوات دقيقة:

  • الفرز والجز: تبدأ المراحل بالصوف البلدي (أو استيراد أنواع مثل صوف نيوزيلندا) حيث يتم جز الصوف، ثم فرزه جيداً لفصل الألوان الطبيعية (الأبيض، الأحمر، الأسود) وتنظيفه من الشوائب.
  • الغسيل والتنظيف: يتم غسل الصوف أو المواد الخام (قبل أو بعد الغزل) في مغاسل خاصة باستخدام الصابون وكربونات الصوديوم للتأكد من نظافته التامة.
  • التجفيف: يتم تجفيف الصوف بالهواء أو في الشمس، وهي عملية ضرورية قبل الصباغة.
  • الغزل (تحويل الصوف إلى خيوط): يتم غزل الصوف يدويًا أو باستخدام ماكينات خاصة لتحويله إلى خيوط متينة وجاهزة للنسج.
  • الصباغة والتلوين: وهي مرحلة فنية مهمة. يتم صباغة الخيوط بالألوان المطلوبة، في الصناعات التقليدية العريقة، تُستخدم ألوان طبيعية مستخلصة من النباتات مثل البصل والكركم، لضمان ثبات اللون وجماله.

ثانياً: التصميم وبناء النول

صناعة السجاد في مصر، قبل البدء في النسج، يجب إعداد الإطار والأرضية:

  • التصميم (الرسم البياني): يتم تصميم شكل السجادة ونقوشها على الورق أولاً، مع تحديد عدد العقد والألوان المستخدمة في كل منطقة (خاصة في السجاد الحريري الفاخر).
  • بناء وتجهيز النول: يتم بناء أو تجهيز النول (سواء كان رأسيًا للسجاد المعقود أو أفقيًا للكليم).
  • شد خطوط السداء (الأساس): يتم شد خيوط السداء (الخيوط الطولية التي تمثل أساس السجادة) على النول، وغالباً ما تكون من القطن أو الحرير، ويجب أن تكون مشدودة بإحكام.

ثالثاً: عملية النسج والتعقيد (العقدة)

صناعة السجاد في مصر، هنا تبدأ الحرفة الفنية وتشكيل السجادة الفعلية:

  • بداية السجادة (الحبكة): تبدأ السجادة بعمل “الحبكة” وهي بداية النسيج التي يُبنى عليها الصف الأول من العقد أو النسيج.
  • عمل العُقد: وهي المرحلة الأبرز في السجاد اليدوي الفاخر (الصوف والحرير)، يتم ربط خيوط الوبر (الصوف أو الحرير المصبوغ) حول خيوط السداء يدويًا، ويتم استخدام تقنية “العقدة” (قد تصل إلى 100 أو 144 عقدة في السنتيمتر المربع للسجاد الحريري).
  • الإملاء (الدق بالمدرا): بعد ربط صف من العقد أو النسيج، يقوم الصانع بـ “الدق” عليها بقوة باستخدام أداة معدنية تسمى المدرا أو الدفنة لضغط العقد أو الخيوط جيدًا وتثبيتها بشكل متماسك، ما يمنح السجادة متانتها وكثافتها.
  • القص: يتم قص زوائد العقد باستخدام موس حاد أو مقص خاص بعد الانتهاء من كل صف أو بعد إنجاز جزء من السجادة.
  • تكرار العملية: تستمر عملية ربط العقد والدق والإملاء صفًا بعد صف وفقاً للتصميم، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلاً جدًا (قد تصل إلى سنوات للسجاد الحريري الكبير).

 رابعاً: التشطيبات النهائية

صناعة السجاد في مصر، بعد إزالة السجادة من النول، تأتي اللمسات الأخيرة:

  • القص والتشذيب: يتم قص وبر السجادة بالكامل لتسوية ارتفاعه وجعله موحدًا وناعمًا، ويتم هذا باستخدام مقصات وماكينات قص خاصة.
  • الغسيل النهائي (العتيق): تُغسل السجادة في مرحلة نهائية (ويُستخدم أحيانًا تقنية “الغسيل العتيق” أو Antique Wash لإعطائها مظهرًا قديمًا ومميزًا).
  • التجفيف: تُجفف السجادة في الشمس بعد الغسيل.
  • الشد والتجهيز: يتم شد السجادة وتصحيح أي عيوب قد تكون ظهرت بسبب الكش (التقلص) أثناء العمل اليدوي، ثم تُعمل حوافها النهائية (الشرّابات أو الحياكة).
  • التعقيم: تُعقم السجادة في بعض الأحيان للحفاظ على ألوانها وجودتها قبل التعبئة والشحن.

صناعة السجاد في مصر، هذه المراحل هي التي تمنح السجاد اليدوي المصري قيمته الفنية والمتانة التي يشتهر بها عالميًا.

اقرئي أيضًا: أبرز الفعاليات في معرض تراثنا 2025

ادوات صناعة السجاد اليدوي 

ادوات صناعة السجاد اليدوي 

إليك وصف تفصيلي لادوات صناعة السجاد اليدوي في مصر، مكتوبًا في شكل فقرات متدفقة بدون استخدام جداول:

تعتمد حرفة صناعة السجاد اليدوي في مصر على مجموعة من ادوات صناعة السجاد اليدوي التقليدية الأصيلة التي تشكل العمود الفقري لهذه المهنة العريقة، أول هذه الأدوات وأهمها هو النول (Loom)، الذي يمثل الإطار الحامل للسجادة، غالبًا ما يكون النول المستخدم للسجاد المعقود (ذو الوبرة)، سواء المصنوع من الصوف أو الحرير، هو النول الرأسي، على هذا الإطار يتم شد خيوط السداء، وهي الخيوط الطولية التي تُشكل أساس النسيج وأرضيته، ويجب أن تكون مشدودة ومثبتة بإحكام طوال فترة العمل، أما في حالة صناعة الكليم (السجاد المسطح بلا وبرة)، فقد يُستخدم النول الأفقي.

أما الأدوات التي يستخدمها الحرفي مباشرة أثناء عملية النسج والربط، فهي أدوات صغيرة ولكنها حاسمة في دقة العمل، الأداة الرئيسية هنا هي خطاف العقدة، وهي أداة معدنية صغيرة تشبه الخطاف أو المنجل، يستخدمها الصانع لسحب خيوط الوبر المصبوغة وربطها حول خيوط السداء لتكوين العقدة يدويًا، وهي قلب السجادة اليدوية، وبمجرد إتمام العقدة، يستخدم الصانع الموس أو السكين الحاد لقطع طرف الخيط، تاركاً الوبر بالارتفاع المناسب.

بعد الانتهاء من كل صف من العقد، تأتي وظيفة الأداة الأشد أهمية في ضمان جودة ومتانة السجادة، وهي المِدْرَاة أو الدفنة، هذه الأداة هي عبارة عن مشط معدني ثقيل ومسنن، يقوم الحرفي باستخدامها للدق بقوة وشدة على صفوف العقد أو خيوط اللحمة لضغطها وتثبيتها بإحكام بين خيوط السداء، هذا الدق المتكرر هو ما يعطي السجادة كثافتها وقدرتها على التحمل، أما المكوك، فيُستخدم لحمل وتمرير خيوط اللحمة العرضية، خاصة في نسيج الكليم أو في خطوط الأساس الفاصلة بين صفوف العقد.

وأخيراً، هناك أدوات التشطيب النهائية التي تُستخدم بعد إزالة السجادة من النول، تشمل هذه الأدوات المقصات الخاصة وماكينات القص الآلية التي تُستخدم لتوحيد ارتفاع وبر السجادة بالكامل وإضفاء ملمس ناعم عليه، بعد ذلك، تدخل السجادة مرحلة الغسيل والتنظيف لإظهار جمال الألوان، وقد يتم استخدام إطار الشد لضمان استقامة السجادة وأبعادها النهائية قبل أن تُصبح جاهزة للعرض والبيع.

اقرئي أيضًا: كيفية ازالة البقع من السجاد

من اشهر القرى المصريه في صناعه السجاد اليدوي 

من اشهر القرى المصريه في صناعه السجاد اليدوي 

من اشهر القرى المصريه في صناعه السجاد اليدوي التي اشتهرت وتخصصت في صناعة السجاد اليدوي، خاصة السجاد الفاخر والكليم التراثي، هي:

  1. قرية ساقية أبو شعرة (محافظة المنوفية)

تُعد هذه القرية من أشهر وأقدم المراكز الرائدة في صناعة السجاد اليدوي في مصر، وتُعرف بأنها قلعة لهذه الحرفة، يعمل جزء كبير من سكان القرية، يصل إلى حوالي 80%، في تضفير وغزل الخيوط لنسج السجاد والكليم، وقد ظلت لسنوات طويلة مركزًا لتصدير المنتجات اليدوية عالية الجودة.

  1. قرية الحرّانية (محافظة الجيزة)

من اشهر القرى المصريه في صناعه السجاد اليدوي، اكتسبت هذه القرية شهرة عالمية بفضل مركز ويصا واصف للفنون الذي تأسس بها في أوائل الخمسينيات، تتميز منتجات الحرّانية بكونها قطعاً فنية فريدة تعتمد على التعبير الفطري للحرفيين، وتشتهر بشكل خاص باستخدامها للصبغات الطبيعية المستخلصة من النباتات، ما يجعل ألوان سجادها وكليمها ذات طابع خاص ومميز.

  1. مدينة أخميم (محافظة سوهاج)

في صعيد مصر، تُعد أخميم مركزاً تاريخياً عريقاً لصناعة النسيج بشكل عام، والسجاد والكليم بشكل خاص، تعود جذور هذه الصناعة فيها إلى العصور القديمة والإسلامية، وتحمل منتجاتها تراث وثقافة صعيد مصر، وهي مشهورة بمتانة وجودة منسوجاتها اليدوية التقليدية.

  1. منطقة الدرب الأحمر (القاهرة)

على الرغم من أنها ليست قرية، إلا أن منطقة الدرب الأحمر التاريخية في القاهرة كانت ولا تزال أحد المراكز الحرفية الهامة التي تضم ورشاً متخصصة في صناعة السجاد اليدوي والمنسوجات التراثية، حيث حافظ الحرفيون فيها على هذه المهارة جيلاً بعد جيل.

هذه القرى والمناطق تمثل ركائز الصناعة اليدوية للسجاد في مصر، وتحافظ على التراث الفني لهذه الحرفة.

وفي الختام، تتضح لنا مكانة صناعة السجاد في مصر كفن خالد ورمز للتراث الحرفي الذي صمد أمام تحديات العصر، لقد رأينا كيف تتحول خيوط الصوف والحرير البسيطة، عبر مراحل دقيقة تبدأ من الغزل وتنتهي بالدق على النول في قرى مثل الحرّانية وساقية أبو شعرة، إلى لوحات فنية تحكي قصصاً من عمق التاريخ المصري، هذه الصناعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي مخزون ثقافي يجب المحافظة عليه ودعمه، لضمان استمرار مهارة الأجيال المتعاقبة من الحرفيين، إن اقتناء قطعة من السجاد اليدوي المصري هو في الحقيقة استثمار في الفن والتاريخ، واحتفاء بجهد سنوات وعقد متقنة لا تضاهيها جودة المصنوعات الآلية، ندعوك لدعم هذا التراث العريق، بدلاً من الاكتفاء بالقراءة عن جمال هذه الحرفة، يمكنك أن تكون جزءاً من دعم استمرارها، زوري موقع طلة واستكشفي التنوع المذهل للسجاد والكليم اليدوي المصنوع في القرى المصرية. 

 

المصادر: 

Carpets & Rugs – Egypt

 

شارك المقالة مع اصدقائك

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *