هل سبق لك أن وجدت نفسك تقف أمام الثلاجة أو خزانة المطبخ، في منتصف الليل، مدفوعة برغبة جامحة لا يمكن قمعها في تناول شيء حلو؟ هل تشعر أحيانًا بأن قطعة صغيرة من الشوكولاتة لا تكفي أبدًا، وأنك بحاجة للمزيد والمزيد حتى تشعر بالرضا المؤقت؟ هذه ليست مجرد نزوات عابرة، بل هي جوهر ما يُعرف بـ شراهة السكريات (Sugar Cravings)، وهي قوة خفية تتجاوز مجرد حب الحلويات، إنها ظاهرة عالمية تُربك العقول وتُرهق الأجساد، حيث يدفعنا الدماغ نحو مكافأة سريعة من السكر، متجاهلاً التحذيرات الصحية ومنبهات الشبع، فما السر وراء هذه الرغبة المُلحة التي تبدو وكأنها خارجة عن سيطرتنا؟ وهل هي مجرد ضعف في الإرادة، أم أن هناك كيمياء معقدة تحدث داخل أجسادنا وعقولنا تدفعنا دفعًا نحو هذه المتعة الحلوة؟ لنستكشف معًا الأبعاد الخفية لشراهه السكريات، ونفهم كيف يمكننا استعادة زمام التحكم.
اسباب شراهة السكريات
اسباب شراهة السكريات ليست مجرد ضعف في الإرادة، بل هي نتيجة لتفاعل معقد بين عوامل بيولوجية ونفسية وسلوكية، فهم هذه الأسباب هو الخطوة الأولى للتعامل معها بفعالية.
أولاً: الأسباب البيولوجية والفسيولوجية لشراهة السكريات
- اختلال توازن سكر الدم:
-
- عندما نتناول السكريات المكررة والكربوهيدرات البسيطة، يرتفع سكر الدم بسرعة كبيرة، ما يدفع البنكرياس لإفراز كميات كبيرة من الأنسولين لخفضه.
- هذا الارتفاع المفاجئ يتبعه غالبًا انخفاض حاد في سكر الدم (نقص السكر في الدم)، يستجيب الجسم لهذا الانخفاض بطلب المزيد من السكر لرفع مستوياته بسرعة، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الشراهة.
- نظام المكافأة في الدماغ:
-
- تناول السكر يحفز إطلاق الدوبامين في مركز المكافأة في الدماغ، هذا الهرمون يمنح شعورًا بالمتعة والسعادة والنشاط.
- بمرور الوقت، قد يحتاج الدماغ إلى كميات أكبر من السكر للحصول على نفس الشعور بالمكافأة، ما قد يؤدي إلى نوع من الإدمان أو الاعتماد.
- تقلبات الهرمونات من اسباب شراهة السكريات:
-
- هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر): تزداد مستوياته في حالات التوتر والإجهاد وقلة النوم، ما قد يزيد من الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون.
- هرمونات الدورة الشهرية: تعاني العديد من النساء من زيادة الرغبة في السكريات قبل الدورة الشهرية (متلازمة ما قبل الحيض PMS)، يعتقد أن انخفاض مستويات هرموني البروجسترون والإستروجين يؤدي إلى تقلبات مزاجية تزيد الرغبة في السكر لتحسين المزاج.
- هرمون اللبتين والجريلين: هرمونات الشبع والجوع قد تتأثر بقلة النوم أو الوجبات غير المتوازنة، ما يزيد من الشعور بالجوع والرغبة في السكريات.
- نقص بعض العناصر الغذائية:
-
- قد تشير الرغبة الشديدة في السكر أحيانًا إلى نقص في بعض الفيتامينات والمعادن الضرورية.
- المغنيسيوم: يلعب دورًا في تنظيم سكر الدم واستقلاب الطاقة، نقصه قد يزيد الرغبة في الشوكولاتة والسكريات.
- الكروم: يساعد الأنسولين على العمل بكفاءة.
- فيتامينات ب: مهمة لإنتاج الطاقة وقد يؤدي نقصها إلى البحث عن مصدر طاقة سريع.
- قلة النوم:
- قلة النوم تؤثر سلبًا على الهرمونات المنظمة للشهية وتزيد من مستويات هرمون الغريلين (هرمون الجوع) وتقلل من هرمون اللبتين (هرمون الشبع)، ما يزيد من الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، بما في ذلك السكريات، لمكافحة التعب.
ثانياً: الأسباب النفسية والعاطفية والسلوكية لشراهة السكريات
- الإجهاد والقلق والاكتئاب:
- يلجأ الكثيرون إلى السكر كـ “مهدئ” أو وسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية مثل التوتر، القلق، الحزن، أو الاكتئاب، السكر يرفع مستويات السيروتونين مؤقتًا (هرمون المزاج الجيد)، ما يوفر شعورًا زائفًا بالراحة.
-
- هذا الاستخدام العاطفي للطعام يخلق دورة مفرغة: الشعور بالسوء ← تناول السكر ← شعور مؤقت بالتحسن ← شعور بالذنب ← العودة للشعور بالسوء.
- الملل:
- يمكن أن تكون شراهة اكل السكريات مجرد وسيلة لتمضية الوقت أو للترفيه عن النفس عندما يشعر الشخص بالملل.
- العادات السلوكية:
- التعود: إذا اعتاد الجسم على تناول السكر في أوقات معينة (مثل بعد الوجبات، أثناء مشاهدة التلفزيون)، فإنه يطور عادة وقد يشعر بالرغبة حتى لو لم يكن هناك دافع بيولوجي حقيقي.
- المكافأة: استخدام السكر كمكافأة في الطفولة يمكن أن يرسخ رابطًا نفسيًا بين السكر والشعور بالإنجاز أو السعادة.
- النظام الغذائي غير المتوازن:
- نقص البروتين أو الألياف أو الدهون الصحية في الوجبات يؤدي إلى عدم الشعور بالشبع لفترة طويلة، ما يزيد من احتمالية الشعور بالجوع والرغبة في تناول السكريات كمصدر سريع للطاقة.
- تخطي الوجبات أو الانتظار لفترات طويلة بين الوجبات يمكن أن يسبب انخفاضًا في سكر الدم وبالتالي شراهة للسكريات.
- الجفاف:
- أحيانًا، قد يخلط الجسم بين إشارة العطش وإشارة الجوع، ما يدفع الشخص للبحث عن الطعام بدلاً من شرب الماء، بعض الأبحاث تشير إلى أن الجفاف قد يزيد من الرغبة في الحلويات.
اقرئي أيضًا: أسباب خلل الهرمونات عند النساء وكيفية التعامل معه
كيفية علاج شراهة السكريات
علاج شراهة السكريات يتطلب نهجًا شاملاً يركز على تعديل السلوك، تحسين النظام الغذائي، وفهم الأسباب الكامنة وراء هذه الرغبة، الأمر لا يتعلق بالحرمان التام، بل بالتحكم وإعادة برمجة استجابة جسمك وعقلك لشراهة اكل السكريات.
- إدارة النظام الغذائي والتحكم في سكر الدم:
- تناول وجبات متوازنة وغنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية:
- البروتين: يساعد على الشعور بالشبع لفترة أطول ويقلل من تقلبات سكر الدم، (مثل: الدجاج، السمك، البيض، البقوليات، الزبادي اليوناني).
- الألياف: تبطئ امتصاص السكر في الدم وتحافظ على استقراره، (مثل: الخضروات الورقية، الفواكه الكاملة، الحبوب الكاملة، البقوليات).
- الدهون الصحية: تزيد من الشعور بالامتلاء وتبطئ الهضم، (مثل: الأفوكادو، المكسرات، البذور، زيت الزيتون).
- تجنب تخطي الوجبات: الجوع الشديد يزيد من الرغبة في السكريات كمصدر طاقة سريع، حاولي تناول 3 وجبات رئيسية ووجبتين خفيفتين صحيتين.
- اختاري الكربوهيدرات المعقدة: بدلاً من الكربوهيدرات البسيطة (الخبز الأبيض، الأرز الأبيض، الحلويات)، اختاري الكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة (الشوفان، الأرز البني، خبز القمح الكامل) التي تطلق السكر ببطء في الدم.
- حافظ على رطوبة جسمك: اشربي كميات كافية من الماء على مدار اليوم، أحيانًا، يفسر الجسم إشارة العطش كإشارة جوع أو رغبة في السكر.
- التعامل مع الجانب النفسي والسلوكي لشراهة السكريات:
- تحديد المحفزات: سجل متى تشعر بالشراهة تجاه السكر (مثل: التوتر، الملل، بعد وجبة معينة، في وقت معين من اليوم)، معرفة المحفزات تساعدك على تجنبها أو وضع خطة للتعامل معها.
- استبدال العادات: إذا كنت معتادًا على تناول الحلوى بعد العشاء، جرب استبدالها بشاي الأعشاب، أو فاكهة، أو المشي قليلاً.
- إدارة التوتر: التوتر هو محفز رئيسي للشراهة، مارسي تقنيات الاسترخاء مثل اليوجا، التأمل، تمارين التنفس العميق، أو ممارسة الهوايات التي تستمتع بها.
- النوم الكافي: قلة النوم تؤثر على هرمونات الشهية وتزيد من الرغبة في السكر، احرص على 7-9 ساعات من النوم الجيد يوميًا.
- لا تحرم نفسك تمامًا: الحرمان الشديد يمكن أن يؤدي إلى نوبات شراهة أكبر، اسمحي لنفسك بكميات صغيرة جدًا من الحلوى المفضلة لديك بين الحين والآخر (على سبيل المثال، قطعة شوكولاتة داكنة صغيرة)، ولكن باعتدال ووعي.
- ابحثي عن بدائل غير غذائية للمكافأة: كافئ نفسك بأنشطة غير متعلقة بالطعام عندما تشعر بالتحسن أو تحقق هدفًا (مثل: الاستماع إلى الموسيقى، أخذ حمام دافئ، قراءة كتاب، الخروج مع الأصدقاء).
اقرئي أيضًا: نظام اللوكارب: دليل شامل لفهم النظام منخفض الكربوهيدرات
- استخدام البدائل الصحية والذكية لعلاج شراهة السكريات:
- الفواكه الطازجة: عندما تشعر بالرغبة في السكر، تناولي الفاكهة الطازجة، فهي تحتوي على سكريات طبيعية بالإضافة إلى الألياف والفيتامينات.
- الشوكولاتة الداكنة: تحتوي على نسبة سكر أقل ومضادات أكسدة أعلى، اختاري تلك التي تحتوي على 70% كاكاو أو أكثر.
- الزبادي اليوناني مع الفاكهة: مزيج من البروتين والسكر الطبيعي يمكن أن يشبع رغبتك.
- المكسرات والبذور: توفر دهونًا صحية وبروتينًا وأليافًا تساعد على الشبع.
- المحليات الطبيعية باعتدال: يمكن استخدام كميات صغيرة من ستيفيا أو فاكهة الراهب (monk fruit) أو الإريثريتول كبدائل للسكر في المشروبات أو بعض الحلويات المنزلية.
- تجنب السكر المخفي: كوني واعية بكميات السكر المضافة في الأطعمة المصنعة، المشروبات الغازية، العصائر المعلبة، ومنتجات الألبان المنكهة، والصلصات، اقرأي الملصقات الغذائية جيداً.
- طلب المساعدة المتخصصة:
- إذا كانت شراهة اكل السكريات تؤثر كبير على حياتك وصحتك، فلا تتردد في استشارة طبيب مختص بالتغذية أو أخصائي نفسي، يمكنهم تقديم خطة شخصية ومساعدتك في تحديد أي عوامل طبية أو نفسية تساهم في المشكلة.
وفي الختام، تتجلى شراهة السكريات كظاهرة معقدة تتداخل فيها الأبعاد البيولوجية، النفسية، والسلوكية، إنها ليست مجرد رغبة عابرة، بل هي دعوة لفهم أعمق لآليات أجسادنا وعقولنا، وللتعامل معها بوعي وحكمة، التحرر من قبضة السكر المفرطة لا يعني الحرمان، بل يمثل رحلة نحو تحقيق توازن صحي يعزز طاقتنا ومزاجنا العام، إن إدراك الأسباب الكامنة وراء هذه الشراهة، وتبني استراتيجيات غذائية ونفسية فعالة، هو مفتاح استعادة السيطرة والعيش بأسلوب حياة أكثر صحة وسعادة، صحتكِ تستحق أن تكوني القائدة فيها، لا تدعي شراهه السكريات تتحكم في خياراتكِ، ابدأي اليوم خطوات صغيرة نحو التغيير، وستجدين أن كل خطوة تقودكِ نحو شعور أفضل بالتحكم والرفاهية، هل تبحثين عن مزيد من الدعم والمعلومات الشاملة حول التغذية الصحية، إدارة التوتر، أو أي جانب آخر من جوانب صحة المرأة؟ ندعوكِ لزيارة موقع “طلة”، بوابتكِ المتكاملة لكل ما يخص صحتكِ وجمالكِ، ستجدين هناك مقالات متخصصة، نصائح عملية، ودلائل قيمة لمساعدتكِ على فهم جسمكِ بشكل أفضل واتخاذ قرارات صحية مستنيرة تدعم رحلتكِ نحو حياة متوازنة وسعيدة، زوري موقع طلة الآن وانطلقي نحو صحة أفضل.
المصادر: